عن أنس بن مالك أنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله »ص« قائم يخطب فاستقبل رسول الله »ص« قائمًا ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله »ص« يديه ثم قال: »اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا« قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال فلا والله ما رأينا الشمس »بتا« »ولم ينـزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته«.
أسباب الجدب متى حل الجدب بالأرض لحق الناس والدواب وغيرها ضرر عظيم وهو من المصائب التي يبتلي بها الله تعالى عباده »مَا أَصَابَ مِن مصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ«، قال قتادة: »هي السنون«. يعني الجدب.. وقال تعالى: »وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسنِينَ« أي بالجدب والقحط. وقال تعالى على لسان إخوة يوسف لما دخلوا عليه يشكون حالهم »فَلَما دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيهَا الْعَزِيزُ مَسنَا وَأَهْلَنَا الضر وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدقْ عَلَيْنَا إِن اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدقِينَ)، والضر هنا: الشدة من الجدب والقحط. وأسباب الجدب كثيرة ولعل من أهمها كثرة الذنوب: قال تعالى: »ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَر وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناسِ«، قال القرطبي مفسرًا الآية: »ظهر« الجدب »في البر« أي في الوادي وقراها وفي البحر أي في مدن البحر مثل »واسأل القرية« أي ظهر قلة الغيث وغلاء السعر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض أي عقاب بعض الذي عملوا ثم حذف، والقول الآخر أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم فهذا هو الفساد على الحقيقة«.
وعن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله عز وجل: »إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً« قال: استنفر رسول الله »ص« حيا من أحياء العرب فتثاقلوا فأمسك عنهم المطر وكان عذابهم.. وقال تعالى: »وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسيئاتِ لَعَلهُمْ يَرْجِعُونَ«، قال القرطبي: »»وبلونانهم« أي اختبرناهم »بالحسنات« أي بالخصب والعافية »والسيئات« أي الجدب والشدائد »لعلهم يرجعون« ليرجعوا عن كفرهم«.
وكان من دعاء النبي »ص« على الظلمة »اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف« والتوبة لها أثر عظيم في نزول المطر قال تعالى حكاية عن نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: »فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبكُمْ إِنهُ كَانَ غَفاراً يُرْسِلِ السمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَناتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً«، وقال تعالى حكاية عن هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: »وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبكُمْ ثُم تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوةً إِلَى قُوتِكُمْ وَلا تَتَوَلوْا مُجْرِمِينَ«، قال ابن قدامة »إنّ المعاصي سبب الجدب والطاقة تكون سببا للبركات، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَن أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)«.
وقال العباس لما استسقى به عمر رضي الله عنهما عام الرمادة: »اللهم إنّه لم ينـزل بلاء إلاّ بذنب ولم يكشف إلاّ بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس«.
حال النبي (ص) إذا تخيلت السماء
كان النبي (ص) إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي (ص): »ما أدري لعله كما قال قوم عاد (فَلَما رَأَوْهُ عَارِضاً مسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ)«، و كان رسول الله (ص) إذا رأى ناشئًا من أفق من آفاق السماء ترك عمله وإن كان في صلاته، ثم يقول: »اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه« فإنّ كشفه الله (حمدا لله) وإن مطرت قال: »اللهم صيبًا نافعًا« لاوقد عذب الله تعالى أقوامًا بالمطر منهم قوم نوح عليه السلام قال تعالى: (فَدَعَا رَبهُ أَني مَغْلُوبٌ فَانْتَصِر فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ).
قوم لوط عليه السلام قال تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ) فقد أرسل الله تعالى عليهم حجارة من سجيل لتكذيبهم رسولهم.
.قوم سبأ قال تعالى: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ).
السنة عند نزول المطر
من السنن عند نزول المطر ما يلي: التعرض له: عن أنس رضي الله عنه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله (ص) مطر، قال: فحسر رسول الله (ص) ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: »لأنّه حديث عهد بربه تعالى«.
أن نقول الذكر الوارد عند نـزول المطر، وقد وردت عدة أذكار منها:
أ - قـول »اللهم صيبًا نافعًا« فعن عائشة رضي الله عنها أن رسـول الله (ص) كان إذا رأى المطر قال: »صيبًا نافعًا«.
ب - قول »رحمة« لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ »أن النبي (ص) كان يقول إذا رأى المطر رحمة«
ج - قول »مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله«.
الدعاء العام عند نزول المطر: فهو من مواطن استجابة الدعاء، إذا كثر المطر وخيف ضرره يسن أن يقول »اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر«
الآكام ـ أي الهضاب والجبال والآجام ـ أي منبت القصب والظراب ـ أي الجبال.
ويسن أن يقول عند سماع صوت الرعد والصواعق ما جاء في الحديث كان رسول الله (ص) إذا سمع الرعد والصواعق قال: »اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك»، كما أنّ الصواعق تكثر في آخر الزمان كما في الحديث أن رسول الله (ص) قال: «تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق تلكم الغداة فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان».ولا بأس بالجمع بين الصلاتين إذا كثر المطر.
كما يسن الصلاة في الرحال عند نـزول المطر مع شدة البرد، إذ ثبت ان النبي (ص) أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال »كان رسول الله (ص) يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال وفي رواية له تقييدها بالسفر.
حكم الاستسقاء بالنجوم
قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}، وعن أبي مالك الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أنّ النبي (ص) قال: »أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة«.
وعن زيد بن خالد قال: خرجنا مع رسول الله (ص) عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى لنا رسول الله (ص) صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال: »أتدرون ماذا قال ربكم«؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فقال: »قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا وكذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي«.
أقسام الاستسقاء بالنجوم
الأول: أن يدعو الأنواء بقوله مثلاً: »يا نوء كذا اسقنا«. وهذا شرك أكبر في الألوهية لأنّه صرف شيئًا من العبادة وهي الدعاء لغير الله تعالى.
الثاني: أن ينسب حصول المطر للأنواء على أنّها هي الفاعلة دون الله تعالى ولو لم يدعها وهذا شرك أكبر في الربوبية.
الثالث: أن يجعل هذه الأنواء سببًا مع اعتقاده أنّ الله تعالى هو الخالق الفاعل وهذا شرك أصغر؛ لأنّ من جعل سببًا لم يجعله الله تعالى سببًا لا بوحيه ولا بقدره فهو مشرك شركًا أصغر.
الرابع: أن يريد بقوله »مطرنا بنوء كذا« أي في وقت كذا، فتكون الباء ظرفية أي جاءنا المطر في وقت هذا النوء. وهذا جائز.
وأختم بقول النبي (ص) »ليست السنة أن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا«.